العُجب آفة مهلكة
هناك من الذنوب الكبائر الظاهرة وهنا ذنوب باطنة في القلب هي من كبائر الذنوب كالعجب والكبر وهي آفات أكبر من الكبائر الظاهرة، فالعُجب من الآفات الخطيرة التي تصيب كثيراً من الناس، فتصرفهم عن شكر الخالق إلى شكر أنفسهم، وعن الثناء على الله بما يستحق إلى الثناء على أنفسهم بما لا يستحقون، وعن التواضع للخالق والانكسار بين يديه إلى التكبر والغرور والإدلال بالأعمال، وعن احترام الناس ومعرفة منازلهم إلى احتقارهم وجحد حقوقهم …… هذه الآفة من أخطر الآفات على النفس فلا يكاد يحاسب المرأ نفسه …
معنى العجب وحقيقته: رجل معجب: مزهو بما يكون منه حسنا أو قبيحا. وقال أبو العباس القرطبي إعجاب الرجل بنفسه هو: ملاحظته لها بعين الكمال والاستحسان مع نسيان منّة الله تعالى؛ فإن رفعها (أي نفسه) على الغير واحتقره فهو الكبر المذموم، وعرفه بعضهم بأنه: الإحساس بالتميّز، والافتخار بالنفس، والفرح بأحوالها، وبما يصدر عنها من أقوال وأفعال، محمودة أو مذمومة. فقد يكون المرأ معجباً بفعل معصية كإعجابه بكثرة علاقاته النسائية وكثرة الزنا.. أو مهارة في السرقة او النصب والخداع، كما يكون أيضا بعمل صالح أو علم أو رأي أو عقل أو مال أو ولد أو أي موهبة أو نعمة عنده…. وسُئل عبد الله بن المبارك عن مفهوم العُجْب؟ فقال: أن ترى أن عندك شيئًا ليس عند غيرك!، فهذا هو جوهر العُجب، فترى أن عندك مالًا.. أولادًا.. ذكاءً.. موهبة أو أي شيء ليس عند غيرك. ومن معاني العُجب كذلك: رؤية العبد لنفسه بعين الرضا والفرح فيما علم أو عمل وحمدها على ذلك، ولو في جزئية صغيرة، ونسيان أن الله عز وجل هو صاحب كل فضل نحن فيه، قال المحاسبي: العُجب هو حمد النفس على ما عملت أو علمت، ونسيان أن النعم من الله عز وجل…
الفرق بين العجب والكبر: فسر العجب بالكبر كثير من العلماء. والتحقيق أن بينهما فرقا دقيقا ذكره المحققون، منهم الإمام الحافظ ابن الجوزي: أن الكبر خلق باطن يصدر عنه أعمال، وهو رؤية النفس فوق المتكبر عليه، والكبر لا يتصور إلا أن يكون هناك من يتكبر عليه، والعجب يتصور، ولو لم يكن أحد غير المعجب.
خطورة العجب: العجب داء مهلك كما في حديث أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: (ثلَاثٌ مُهْلِكَاتٌ: هَوًى مُتَّبَعٌ وَشُحٌّ مُطَاعٌ وَإِعْجَابُ الْمَرْءِ بِنَفْسِهِ وَهِيَ أَشَدُّهُنَّ). (رواه البزار، والخرائطي، وأبو نعيم، ورواه الحكيم الترمذي في نوادر الأصول، والبيهقي في الشعب، والطبراني في الأوسط من حديث ابن عمر، وحسنه الألباني بشواهده)، قال ابن مسعود -رضي الله عنه-: الهلاك في شيئين: العجب والقنوط. قال ابن قدامة المقدسي معلقا: وإنما جمع بينهما لأن السعادة لا تنال إلا بالطلب والتشمير، والقانط لا يطلب، والمعجب يظن أنه قد ظفر بمراده فلا يسعى، وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه-، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، يَقُولُ: (إِنَّ رَجُلًا مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ يَتَبَخْتَرُ فِي حُلَّةٍ قَدْ أَعْجَبَتْهُ نَفْسُهُ، فَخَسَفَ اللهُ بِهِ الْأَرْضَ، فَهُوَ يَتَجَلْجَلُ فِيهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ). (رواه مسلم). (يتجلجل) أي يغوص في الأرض حين يخسف به والجلجلة حركة مع صوت.). وقيل للحسن البصري: من شر الناس، فقال: من يرى أنه أفضلهم… وكذلك قد يوصل العجب إلى الحرمان من التوفيق والهداية وفقدان عون الله ومعيته؛ وتأمل ما أصاب الصحابة رضوان الله عليهم مع إيمانهم وصلاحهم، حين أعجب نفر منهم بكثرة العدد انهزموا في بداية المعركة: {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ} [التوبة: 25]، هذا غير نفور الناس وكراهيتهم للمعجب بنفسه.
والعجب بالعمل الصالح خطير على المسلم يوشك أن يحبط عمله: قال تعالى: {وَلا تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ} [المدثر: 6]، قال الحسن البصري: لا تمنن بعملك على ربك تستكثره، فإنه مهما كُثرَ العمل ففضل الله أعظم، وحقه أكبر، وقد نهى الله عن تزكية النفس، بمعنى اعتقاد خيريتها، والتمدّح بها فقال: {فَلا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ} [النجم: 32]. والإعجاب بالنفس شر، وأي شر، قال ابن المبارك: لاَ أَعْلَمُ فِي المُصَلِّيْنَ شَيْئاً شَرّاً مِنَ العُجْبِ….. قيل لعمر بن عبد العزيز: إن مت ندفنك في حجرة رسول الله، فقال: لأن ألقى الله بكل ذنب غير الشرك أحب إلىّ من أن أرى نفسي أهلاً لذلك.
وأول علاج العجب أن ترى التوفيق من الله تعالى وهو صاحب الفضل، فانشغل بالشكر، ولا تعجب بنفسك، وتذكر قول الله تَعَالَى: {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ} [النور: 21]، وَقَالَ أَهْلُ الْجَنَّةِ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا} [الأعراف: 43]، فَكُلُّ خَيْرٍ فِي الْعَبْدِ هُوَ فَضْل اللَّهِ، فأنت بِاللَّهِ لَا بِنَفْسِك … وأن تخاف أن لا يتقبل منك، فمن اشتغل بخوف القبول، لا يعجب بنفسه، قيل لأحمد بن حنبل: ما أكثر الداعين لك، فرغرغت عينه، وقال: أخاف أن يكون هذا استدراجا… وعليك معرفة حقيقة نفسك وعيوبها: قال ابن حزم: من امتحن بالعجب فليفكر في عيوبه… فإن خفيت عليك عيوبك حتى تظن أنك لا عيب فيك، فاعلم أنك في مصيبة ، فليس عندك تمييز….
مر المهلب بن أبي صفرة على مالك بن دينار وهو يتبختر في مشيته فقال له مالك: أما علمت أن هذه المشية تكره إلا بين الصفين؟ (يعني في الجهاد) فقال له المهلب: أما تعرفني؟ فقال له: أعرفك أحسن المعرفة. قال: وما تعرف عني قال: أما أوَّلك فنطفة مذرة وأما آخرك فجيفة قذرة وأنت بينهما تحمل العذرة! قال: فقال المهلب: الآن عرفتني حق المعرفة.
وقد كان داء إبليس وفرعون وقارون هو العجب وهو ما أوصلهم إلى ما صاروا إليه …