فتنة التكفير.. والتحذير منها ومن التجريح والطعن وخطر ذلك
الوعيد الشديد لمن يجترئ على الرمي بالكفر أو الفسوق
لقد حذر الشارع من التكفير أشد التحذير، ونفر من الانجرار وراء فتنته أعظم التنفير، فلو لم يرد فيه إلا ما رواه أبو ذرّ أنه سمع النبي ﷺ يقول: “ومن دعا رجلا بالكفر أو قال عدو الله وليس كذلك إلا حار عليه” (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ)، لكان فيه أبلغ زاجر، قال ابن حجر الهيتمي: (هذا وعيد شديد وهو رجوع الكفر عليه أو عداوة الله له) … وفي ذلك دلالة على شدة العذاب والإثم الذي عليه وحتى لا يتجرأ على ذلك مجترئ ويستسهل ويستسيغ الأمر. وتأمل هذا الحديث عن أبي ذر الغفاري قال ﷺ: (لا يَرْمِي رَجُلٌ رَجُلًا بالفُسُوقِ، ولا يَرْمِيهِ بالكُفْرِ؛ إلَّا ارْتَدَّتْ عليه إنْ لَمْ يَكُنْ صاحِبُهُ كَذلكَ.) (البخاري ومسلم)، والحديث المعروف عن ابن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما قال، قال رَسُول اللَّهِ ﷺ: (إذا قال الرجل لأخيه يا كافر، فقد باء بها أحدهما، فإن كان كما قال وإلا رجعت عليه) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
كيف وقد جعل الشارع تكفير المؤمن أو لعنه كقتله
وذلك في قوله ﷺ: “مَن لَعَن مؤمنا فهو كقتله، ومَن قَذَف مؤمنا بكفر فهو كقتله”(أخرجه البخاري، ومسلم)، وما ذلك إلا لكون التكفير من أعظم أسباب استسهال إراقة الدماء المحرمة، والاستهانة بإزهاق الأنفس المعصومة.
أحد الطوام والمشكلات المعاصرة وتحذير النبي من هؤلاء:
هناك في هذا العصر ظهر أناس كل همهم الحكم على الناس وتشويههم واستسهال التفسيق والتبديع والتكفير وهو أمر خطير جدا على الإسلام والمسلمين والمجتمع المسلم ولهذا كان التحذير والوعيد الشديد. وحذر النبي منهم فقال ﷺ: (سيخرج في آخر الزمان قوم أحداث الأسنان، سفهاء الأحلام، يقولون من خير قول البرية، يقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية… ” (البخاري وأحمد مطولا والترمذي وابن ماجة)، إنهم صغار وسفهاء العقول (الأحلام) يقولون من خير قول البرية أي بكلام الله، فتراهم يستدلون على منهجهم المعوج الفاسد هذا بكلام من كلام الله ومن كلام رسول الله وبعض أقوال العلماء والأئمة … فلا تتصور أنه يقول أنا تكفيري وأحب أن أرمي الناس بالكفر أو الفسوق أوالبدعة أو أنا مغالي في الدين، إنما يقول أنا الدين وأنا الفرقة الناجية وأنا الحق وماذا بعد الحق إلا الضلال .. لا هو يقول لك أنا أكلمك بكلام الله ورسوله وكلام العلماء والأئمة، فلا تغترّ وتنخدع بهذا ويلتبس عليك الأمر…… يغالون في الدين وفي غالب الأحوال لا يدري أنه كذلك،
انتبه: والله هذا المسلك وطريقة التفكير هذه ستفسد عليك قلبك ودينك وإيمانك وأخلاقك.
هناك من يشغل نفسه بالحكم على الناس وإنما نحن دعاة لا قضاة، إن كنت داعية
التألي على الله يمنع المغفرة ويحبط العمل:
عن جندب بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: (قال رجل: والله لا يغفر الله لفلان، فقال الله: من ذا الذي يتألى عليَّ أن لا أغفر لفلان؟ إني قد غفرت له، وأحبطت عملك). (صحيح مسلم)، وفي حديث أبي هريرة: أن القائل رجل عابد، قال أبو هريرة: “تكلم بكلمة أوبقت دنياه وآخرته”، يخبر النبي ﷺ على وجه التحذير، أن رجلاً حلف أن الله لا يغفر لرجلٍ مذنبٍ؛ فكأنه حكم على الله؛ لما اعتقد في نفسه عند الله من الكرامة والحظّ والمكانة، ولذلك المذنب من الإهانة، وهذا إدلالٌ على الله وسوءُ أدب معه، أوجب لذلك الرجل الشقاءَ والخسران في الدنيا والآخرة.
من أكثر وأشد ما يخاف النبي منه على أمة المسلمين: هذا الذي يظن أنه أفضل من غيره بل حاكم على غيره وعنده سيولة وسهولة في تجريح الناس وتفسيقهم وتبديعهم ورميهم بالشرك أو الكفر. عن حذيفة بن اليمان قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: ” إِنَّ مَا أَتَخَوَّفُ عَلَيْكُمْ رَجُلٌ قَرَأَ الْقُرْآنَ حَتَّى إِذَا رُئِيَتْ بَهْجَتُهُ عَلَيْهِ، وَكَانَ رِدْئًا لِلْإِسْلَامِ، غَيَّرَهُ إِلَى مَا شَاءَ اللَّهُ، فَانْسَلَخَ مِنْهُ وَنَبَذَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ، وَسَعَى عَلَى جَارِهِ بِالسَّيْفِ، وَرَمَاهُ بِالشِّرْكِ “، قَالَ: قُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، أَيُّهُمَا أَوْلَى بِالشِّرْكِ، الْمَرْمِيُّ أَمِ الرَّامِي؟ قَالَ: ” بَلِ الرَّامِي ” (رواه إبن حبان في صحيحة، وصححه أحمد شاكر، ورواه ابن حجر في المطالب العالية، ورواه البزّار، ورواه أبو نعيم الأصبهاني في معرفة الصحابة، ورواه الطحاوي في مشكل الآثار، قال ابن كثير رحمه الله: ” إِسْنَادٌ جَيِّدٌ “، وحسنه الألباني في “الصحيحة”). معنى (ردئا) الردء: القوة والعماد والناصر والمعين.
ومن أكثر الناس عرضة لهذا المسلك الشنيع والخطير من:
لا يستطيع التفريق بين المحكم والمتشابه.. فيحدد معني للمتشابه ويتعامل معه على أنه محكم يريد أن يحمل الناس عليه ويقول هذه هي العقيدة الصحيحة….. ولا يفرق بين ما يمكن أن يفهم بأكثر من فهم وما لا يمكن فهمه إلا فهما واحداً فتراه يتبني رأيا ويظن أنه الدين الحق وغيره هو الضلال المبين.
ولا يفرق بين المسائل الفقهية ومسائل العقيدة ويظن بعضها مسائل عقائدية يوالي ويعادي عليها،
وقليل استعاب فكرة الخلاف في الرأي والفهم للنصوص.
لا يربط النصوص ببعضها ويستخرج المعنى من النص بمعزل عن النصوص الأخرى.
هناك ضوابط مهم جداً لتصور الكلام أو الفعل هل هو قول كفر أم لا، أهمها:
لا بد أن يكون منكر لمعلوم من الدين بالضرورة، وهناك الكثير من المشايخ والدعاء يقولون على أشياء أنها معلمة من الدين بالضرورة وهي ليست كذلك، وينبغي أن يتوفر فيه شرطين: أولاً: ما كان دليله قطعي الثبوت، أي متواتر وهذا ينطبق فقط على القرآن الكريم وقليل جدا من الأحاديث … هناك أحاديث آحاد كثيرة صحيحة وحسنة ويجب العمل بها لكن لا يكفر منكرها….. ثانياً: أن تكون دلالة المعنى في الآية أو الحديث المتواتر قطعيّة، فلا تحتمل معنى آخر. فالمعنى والدلالة اللغوية لا يمكن تأويلها ولا فهمها بمعنى آخر… ويكون ذلك معلماً لكل أحد لا يلتبس
وهناك أمر هام جدا: حتى إذا كان القول كفراً لا يعني أن القائل كافراً، لماذا؟
ربما كان جاهلاً لم يعلم أو كان لا يقصد أو كان عنده شبهة فيما يقول أو تأويل فاسد غير صحيح ولكنه يظنه صحيح …
والكلام يحتاج تفصيل ربما في لقاء آخر إن قدر الله ذلك إن شاء الله
ليكن همك نشر الخير والإيمان وإصلاح قلبك تزكية نفسك وأخلاقك، وليس الحكم على الآخرين، فهذا المنهج مفسد جداً للقلب والنفس والأخلاق بطريقة عجيبة لا تتخيلها….