حسن الظن بالله والتعلق به مفتاح السعادة والنعيم في الدنيا والآخرة
حسن الظن بالله والتعلق به من العبادات القلبية الجليلة التي يبنغي أن يملأ المؤمن بها قلبه في جميع أحواله، في حياته، في هدايته، في رزقه، في صلاح ذريته، في إجابة دعائه، في مغفرة ذنبه،عندما يشتد به الحال أو ينزل به أو أحد أحبابه مرضأو أموت، وفي كل أحواله، وما أحوجنا إلى تمكين هذا المعنى في قلوبنا
يقول ابن مسعود رضي الله عنه: “والذي لا إله غيره ما أعطي عبد مؤمن شيئا خيرا من حسن الظن بالله تعالى، والذي لا إله غيره لا يحسن عبد بالله الظن إلا أعطاه الله عز وجل ظنه، ذلك بأن الخير في يده ” (رواه ابن ابي الدنيا)
ما أروع حسن الظن بالله فيوقن المؤمن أن بعد الكسر جبرا، وأن بعد العسر يسرا، وأن بعد التعب راحة، وبعد الدمع بسمة، وبعد المرض شفاء ومعه أجر، وبعد الدنيا جنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين… قل للذي ملأ التشــاؤم قلــبه: ومضى يضيق حولنا الآفاقا…. سر السعادة حسن ظنك بالذي خلق الحياة وقسم الأرزاق
يقول ﷺ: “يَقُولُ اللَّهُ -تعالى-: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي” (البخاري ومسلم)، و عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي ﷺ قال: “قَالَ اللَّهَ -عز وجل-: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي؛ إِنْ ظَنَّ بِي خَيْرًا فَلَهُ، وَإِنْ ظَنَّ شَرًّا ففَلَهُ) (أحمد، وابن حبان وهو حديث صحيح بطرقه وشواهده)، من ظن بالله خيرا أفاض عليه من خيراته وجميل كراماته، ومن عامل الله باليقين والتعلق به أدهشه الله من عطائه بما يفوق خياله، فالله جل جلاله يعامل عباده على حسب ظنونهم به، ويفعل بهم ما يتوقعونه منه وفوقه، فإذا دعوت فظن بالله خيرا أنه سيستجيب دعاءك، وإذا أنفقت في سبيل الله فظن بالله خيرا أنه سيخلف عليك، وإذا تركت شيئا لله فظن بالله خيرا أنه سيعوضك خيرا مما تركت، وإذا استغفرت فظن بالله خيرا أنه سيغفر لك وسيبدل سيئاتك حسنات… إذا ضــاقت فــباب الله رحــب ومـا خــاب الــذي لله آبــا… متى ما استحكمت قل يا رحيما يفرجـها ويمنــحك الثوابـا…. وأحسن بالكريم الظنَّ دوما.. تجد من لطفه العجب العجابا…. قال المأمون لمحمد بن عباد: “بلغني أنه لا يقدم أحد البصرة إلا أضفته؟ فقال: منْعُ الجودِ سوءُ ظنٍّ بالمعبود. وفي رواية “من له مولى غني لم يفتقر”.
مواطن تأكد حسن الظن بالله تعالى
- أولا: عند الأزمات، والملمات، وكثرة الفتن، وتقلب الأمور، وغلبة الديون، وضيق العيش ومثل ذلك، ففي الحديث: (مَن نزلَت بهِ فاقةٌ فأنزلَها بالنَّاسِ لم تُسَدَّ فاقتُهُ، ومَن نزلَت بهِ فاقةٌ فأنزلَها باللَّهِ فيوشِكُ اللَّهُ لَه برزقٍ عاجلٍ أو آجلٍ) (رواه أبو داود والترمذي وأحمد ؛ صحيح)، ذكر القرآن حال الأنبياء في الشدائد العصيبة من حسن ظنهم بربهم ويقينهم وثقتهم بوعده، قال موسى لقومه لما قالوا: {إنا لمدركون قال كلا إن معي ربي سيهدين فأوحينا إلي موسى أن اضرب بعصاك البحر فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم} سورة الشعراء، وقال ﷺ للصديق يوم وصل أعداؤه إلى الغار {لا تحزن إن الله معنا} سورة التوبة، وقال: (يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما؟)، وإبراهيم حين يلقى في النار (حسبي الله ونعم الوكيل)، وزوجته حين يتركها في الصحراء لما علمت أن الله هو الذي أمره بهذا( إذا لن يضيعنا) … وهكذا
توقع صنع ربك سوف يأتي .. بمــا تهــواه مـن فــرج قــريـبولا تيأس إذا ما ناب خطب .. فكم في الغيب من عجب عجيب
- ثانيا: عند الدعاء: فمن كانت علاقته بالدعاء قوية هانت عليه المصائب، وتيسرت له السبل، وبورك له في كل شيء يسلكه، ففي الحديث “لا تعجزوا في الدعاء، فإنه لن يهلك مع الدعاء أحد” (المنذري في الترغيب: صحيح؛ السيوطي: صحيح، وابن حبان) وفي الحديث الآخر “ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة” (رواه الترمذي والبزار: حسن)، قال عمر: “إني لا أحمل هم الإجابة ولكن أحمل هم الدعاء، فإذا أُلهِمت الدعاء فإن الإجابة معه“.
- ثالثا: عند التوبة: يوقن المسلم بسعة رحمة الله، وأنه يقبل التوبة عن عباده وأنه يعفو عن السيئات… جاء الفضيل إلى سفيان الثوري في يوم عرفة وقال له: من أسوأ الناس حالا في هذا اليوم؟ قال: من ظن أن الله لا يغفر لهم.).
- رابعا: عند الاحتضار، ففي الحديث: (لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله عز وجل) رواه مسلم. ورواه أحمد وزاد في روايته: “فَإِنَّ قَوْمًا قَدْ أَرْدَاهُمْ سُوءُ ظَنِّهِمْ بِاللَّهِ -عز وجل-“؛ فقال الله: (وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمْ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنْ الْخَاسِرِينَ) [فصلت: 23]، قال إبراهيم النخعي: “كانوا يستحبون أن يلقنوا العبد محاسن عمله عند موته لكي يحسن الظن بربه“، مرض أعرابي فقال له الطبيب: إنك ستموت. فقال: ثم إلى أين سأذهب؟ قال إلى الله. فقال: ما كراهتي أن أذهب إلى من لا أرى الخير إلا منه؟، واحتضر رجل فقالوا له: ما ترى الله فاعلا بك؟ فقال: لقد أكرمني وأنا في داري، فلن يكون أقل كرما وأنا في داره. قال أعرابي لابن عباس: من يحاسب الناس يوم القيامة؟ قال الله، قال نجوت ورب الكعبة؛ لأن الكريم إذا ملك رحم، وإذا قدر عفا، يقولُ ابنُ القيمِ: “وَكُلَّمَا كَانَ الْعَبْدُ حَسَنَ الظَّنِّ بِاللَّهِ، حَسَنَ الرَّجَاءِ لَهُ، صَادِقَ التَّوَكُّلِ عَلَيْهِ، فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُخَيِّبُ أَمَلَهُ فِيهِ الْبَتَّةَ، فَإِنَّهُ سبحانه لَا يُخَيِّبُ أَمَلَ آمِلٍ، وَلَا يُضَيِّعُ عَمَلَ عَامِلٍ“.
فلنحسن الظن بالله ولتتعلق قلوبنا به رجاءا وطمعا ورغبة وأملا وتوكلا عليه